التكنولوجيا.. «في الخدمة»
تطبيقات تقدم الحلول والخدمات لتجاوز الصعوبات وتحسين حياة ذوي الهمم

شهدت التكنولوجيا خلال العقود الأخيرة تطورًا كبيرًا، وأثر هذا التطور بشكل كبير على حياة البشر في مختلف المجالات، بما في ذلك الحياة اليومية والصحة والتعليم.
ومن بين الفئات التي استفادت بشكل كبير من التطور التكنولوجي هم الأشخاص ذوي الهمم، فقد قدمت التطبيقات التكنولوجية العديد من الحلول والخدمات التي ساعدت هذه الفئة على تجاوز بعض الصعوبات وتحسين جودة حياتهم.
ومن بين هذه التطبيقات تطبيقات الطبخ لتعليم المكفوفين فن الطبخ بطريقة سهلة ومتطورة، وتطبيقات المساعدة في التنقل والتي تساعد الأشخاص ذوي الهمم على تحسين حركتهم والتنقل بشكل أفضل وأسهل وتطبيقات التواصل الاجتماعي والتعليم عبر الإنترنت، وتطبيقات تحويل الكلام إلى نص مكتوب والتي تساعد الأشخاص ذوي الهمم الذين يعانون من صعوبات في الكتابة.
تعليم الطبخ
إيمان الحسيني، الحاصلة على دكتوراه في ترميم الآثار، حول فكرتها التي من شأنها مساعدة الكثير من الأفراد المكفوفين، على تعلم الطبخ وطهي أشهى الوصفات، من خلال تطبيقها التي أطلقته باسم “جوا الحلة”.
وقالت إن بداية الفكرة جاءت عندما عرضت عليها شقيقتها إسراء، أن تقدم شيئًا ينفع المجتمع من خلال مهارتهما في وصفات الأكل، بالإضافة إلى رحلة “الحسيني” إلى مدريد في إسبانيا، حيث كانت تسمع صوت عصفور خلال عبورها إشارة المشاة، وفيما بعد أدركت أن تلك العصفورة ميزة مقدمة للمكفوفين، ليعبرون طريقهم في أمان.
وقالت: كنتُ أقوم بإعداد الوصفات وكتابة المكونات والمقادير وطريقة التحضير، بينما كانت إسراء تتخصص في التصوير الفوتوغرافي والفيديوغرافي، وأضافت أنه بعد هذه التجربة، تطورت الفكرة إلى تطبيق يخدم المجتمع من خلال تعليم المكفوفين فن الطبخ.
وأضافت أنها أجرت بحثًا مفصلاً، إلى أن توصلت لعمل كتاب لتعليم المكفوفين فن الطبخ على طريقة برايل، وهو الكتاب الأول من نوعه في مصر، وقدمت فكرتها إلى وزارة الثقافة المصرية، وحصلت على حقوق الملكية الفكرية والإبداع.
بداية الانطلاق
وأضافت أنه تم عرض الفكرة على مجموعة من المؤسسات، بدءًا من “مصر تبدأ”، وفازت الفكرة في مسابقة الأفكار التي عُقدت، ثم دخلت في مرحلة ما قبل حاضنة الأعمال وحصلت على تدريب لمدة أربعة أشهر في أساسيات ريادة الأعمال، وأشارت إلى أنها شاركت الفكرة في مسابقة مع وزارة الاتصالات المصرية وتحديداً “need” الهيئة الوطنية للتكنولوجيا المساعدة من ذوي الإعاقة وفازت فيها.
وقالت إنها حصلت على فرصة للدخول في حاضنة الأعمال والتدريب و الكورسات المكثفة التي تخدم فكرة مشاريع لرعاية الأشخاص من ذوي الإعاقة لمدة 6 أشهر، وبعد ذلك نجح الفريق في الحصول على المركز الأول في الامتحان النهائي، وأكدت أنه تم تنفيذ استبيانًا مع 115 شخصًا مكفوفًا في مصر والوطن العربي.
وأشارت إلى أن التطبيق يُقدم وصفات مسموعة لفاقدي وضعاف البصر، يشمل حاسة السمع واللمس، وذلك بالتعاون مع الهيئة الوطنية لتكنولوجيا للأشخاص ذوي الإعاقة، وتابعت الحسيني: الفكرة تهدف إلى الوصول لأكبر عدد من المكفوفين المستخدمين للإنترنت والهواتف الذكية، من خلال السوشيال ميديا والجهات المعنية بالمكفوفين، حيث أن مصر بها آلاف الأفراد من فاقدي وضعاف البصر.
وأوضحت أن تطبيق “جوا الحلة” يتميز بعدة ميزات مهمة لخدمة ذوي الهمم، ومن أهم هذه الميزات اللغة المصممة خصيصًا لمخاطبة المكفوفين وضعاف البصر، والتي تتميز بوصف الوصفات بأسلوب يركز على الحواس الأربعة ، وذلك بالاعتماد على الشم واللمس والسمع والتذوق) لنستبدل كل ما هو مرئي بكل ما هو مسموع، كذلك يتميز بدمج فريق العمل المكون من المبصرين والمكفوفين وضعاف البصر في التطبيق، حيث يوجد في الفريق شيفات من كل الأنواع بما في ذلك الشيفات الكفيفات من النساء والشيفات ذوات الإعاقة البصرية من الرجال، وأضافت إلى فريق المونتاج والمكساج الذي يتكون أيضًا من عدد كبير من المكفوفين وضعاف البصر.
وأوضحت أنه يتم التعامل مع تعليقات المستخدمين ومقترحاتهم بمنتهى الاحترام والاهتمام، حيث يتم جمع جميع التعليقات والملاحظات التي يتم إرسالها والتواصل مع المستخدمين بشكل شخصي وتقديم الدعم اللازم لهم، وأضافت أنه يتم طلب أرقام الاتصال الخاصة بهم والاتصال بهم بشكل فردي للحصول على تعليقاتهم بشكل مباشر، وأيضاً يتم استخدام تقنية الرسائل الصوتية للاستماع إلى التعليقات والمقترحات وتحليلها بعناية وتطوير التطبيق بناءً على متطلبات المستخدمين ورغباتهم التي يتم تعبير عنها في التعليقات والملاحظات التي يقدمونها. يتم التركيز على تحسين التطبيق بشكل دائم بناءً على هذه الاستجابات والردود التي يتم الحصول عليها.
وقالت: تهدف خططنا المستقبلية لتطوير التطبيق إلى تحسين تجربة المستخدمين وتوفير المزيد من الخدمات المهمة لهم، ومن بين أهم هذه الخطط هو عمل تقنية التعرف الضوئي على الحروف (OCR) وتضمينها في التطبيق، وهذا يعني أن المستخدمين المكفوفين يمكنهم استخدام التطبيق لتمييز الأشياء الموجودة في المطبخ، مثل الملح والدقيق والسكر، من خلال تشغيل تقنية OCR المضافة إلى التطبيق. لقد أنجزنا أكثر من 60٪ من هذا العمل حتى الآن ونعمل باستمرار لإتمامه. سيتم الإعلان عن إطلاق هذه الميزة مع تطبيقنا حالما يتم الانتهاء منها وسنستمر في جمع المراجعات والملاحظات حول جودة هذه الميزة الجديدة.
أكبر عقبة
وأوضحت الدكتوره “إيمان” أن أكبر عقبة واجهتها خلال عملها على التطبيق كانت جائحة كورونا، حيث أدت إلى عزلة المجتمع وعدم القدرة على الاجتماع والتواصل بشكل مباشر. ولكن تم حل هذه المشكلة بعد التواصل مع أحد نواب البرلمان الذي يعاني من المكفوفين وتوضيح لنا أن الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية يتواجدون بكثرة على منصات التواصل الاجتماعي.
وأكدت أنه بعد البحث والتعرف على برامج مثل “voice over” للهواتف المحمولة من نظام “iOS” و “TalkBack” للهواتف المحمولة من نظام “Android”، أصبح بإمكان الأشخاص الذين يعانون من ضعف البصر والمكفوفين استخدام الهواتف المحمولة والتفاعل مع السوشيال ميديا بسهولة ودون مساعدة من أي شخص آخر. لذا، تم حل هذه المشكلة بعد التواصل مع الأشخاص المعنيين شخصيًا والتعرف على احتياجاتهم واستخداماتهم، وكان ذلك نقطة انطلاق قوية لنا في عملنا على التطبيق.
خدمات الإعاقة
تطبيق آخر من التطبيقات التي ساعدت ذوي الهمم هو تطبيق “ihelp”، حيث قالت د. رشا أرنست، مؤسسة منصة “أي هيلب” الإلكترونية لخدمات الإعاقة إن فكرة التطبيق جاءت من خبرتها الشخصية، حيث إنها تستخدم كرسي متحرك، وقالت: حين كنت أحتاج صيانته لم أكن أجد ذلك بسهولة وكان هناك استغلال واضح لوضع الأشخاص ذوي الإعاقة، من هنا جاءت فكرة وجود منصة إلكترونية تجمع مقدمي الخدمة وتتيح الوصول لخدمات الصيانة بأيسر الطرق.
وذكرت أن أول الخطوات في عمل التطبيق كانت تقديم الفكرة في مسابقة MBC Hope مشروع أمل لرائدات الأعمال، وقالت: فازت فكرتي بالمركز الأول، وهنا بدأت تشكيل فريق عمل وتصميم اللوجو للبراند واختبار الفكرة على مجموعات من الأشخاص ذوي الإعاقة للتأكد من الاحتياج لهذه الفكرة، وأضافت: بعدها بدأنا التواصل مع مقدمي الخدمات في القاهرة وبدأنا العمل على التطبيق.
وأوضحت “رشا” أن من بين مميزات التطبيق أنه سهل الاستخدام ويعمل على تسهيل الطلب والتواصل بيننا وبين العملاء، وأشارت “رشا أرنست” إلى أن التطبيق يستهدف كبار السن لمساعدتهم في الوصول إلى المعلومات والخدمات المتنوعة باستخدام التكنولوجيا ومستخدمي الكراسي المتحركة والأدوات المساندة للإعاقة الحركية من جميع الأعمال، ومستخدمي لغة الإشارة من الأشخاص الصمّ من جميع الأعمار.
وأكدت أنها تضمن إتاحة التطبيق للمستخدمين من ذوي الهمم بأسلوب سهل وواضح عن طريق فريق عمل يجمع بين الخبرة في مجال الإعاقة والخبرة التقنية وهو ما يضمن تقديم الخدمة بشكل يناسب العملاء، وأوضحت أن الخدمات الرئيسية التي يقدمها التطبيق هي بيع الكراسي المتحركة بأنواعها، صيانة الكراسي المتحركة بأنواعها، توفير مترجم لغة الإشارة مباشرة، توفير مترجم لغة الإشارة أونلاين، وتقديم الاستشارات والتدريبات ذات الصلة بمجال الإعاقة.
وقالت “رشا”: ما زال أمامنا الكثير من الخطط المستقبلية منها إتاحة التطبيق على App store وتطوير الدفع الإلكتروني على التطبيق الحالي، وإضافة خدمات جديدة لفئات أخرى من الأشخاص ذوي الإعاقة، وأشارت إلى أنها تضمن توافر الدعم الفني والمساعدة للمستخدمين في حالة وجود مشاكل أو استفسارات من خلال فريق الدعم الفني المتوفر طوال الوقت.
مشاكل الصعيد
التطبيق الثالث هو تطبيق “special care solutions” والذي يواجه ذوي الاحتياجات الخاصة في صعيد مصر، حيث يعانون من قلة الصيانة لأجهزتهم التي تساعدهم في حياتهم اليومية، مما يجعلهم يضطرون للسفر إلى القاهرة للحصول على الصيانة.
وأضاف د. عمرو شريف أحد أعضاء فريق العمل أنه أمر يستهلك وقتًا وجهدًا ومالًاً بالإضافة إلى عدم توافر قطع الغيار المناسبة، ولذلك تم البحث عن حلول تساعد في تخفيف هذه المشاكل، وتم اقتراح حلين.
وأشار إلى أن الحل الأول هو التركيز على البحث والتطوير، حيث يتم تطوير الأجهزة باستخدام مواد تناسب السوق المحلي وتلبي احتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة، ويتم العمل على تقديم ابتكارات جديدة ووسائل مساعدة لتسهيل حياتهم اليومية، وأوضح أنه حقق هذا الحل العديد من النجاحات، مثل ابتكار “Bat swemmer” الذي حصل على جوائز عديدة في معرض جنيف الدولي ولقب الميدالية الذهبية من الاتحاد الفرنسي للمخترعين والاتحاد الفيدرالي السويسري.
وأضاف أن الحل الثاني هو تقديم خدمات الصيانة وخدمة العملاء في المناطق الجغرافية المحيطة بالمستخدمين، مما يوفر لهم الجهد والتكلفة اللازمة للذهاب إلى القاهرة للحصول على الصيانة، وبذلك يتم توفير الخدمات اللازمة للمستخدمين وتحقيق رضاهم.
وأوضح أنه تم اقتراح الحل الثالث والذي يتضمن برامج تدريبية تأهيلية لذوي الإعاقة ومرضى التوحد وفرط الحركة، وذلك من خلال تقديم برامج تأهيلية خاصة ونوادي لهم. وتهدف هذه البرامج إلى تقديم التدريب والتأهيل اللازمين لتحسين حياتهم اليومية.
وأكد أنه يتم تقديم هذه البرامج بالتعاون مع الجهات الحكومية والخاصة، وتشمل الشراكات مع وزارة التضامن الاجتماعي والمجلس القومي للإعاقة وشركة “باور هاوس” التي تصنع قطع الغيار في ورشتها، بالإضافة إلى استشاري أمراض التخاطب الدكتور “أحمد علي”، وقال إنه هذا الحل يتطلب تجهيز المقر وتوفير سيارة متنقلة مجهزة بأحدث الوسائل لتقديم خدمات الصيانة، وكذلك دعم وحدة البحث والتطوير، وأشار إلى أن المبادرة شاركت في أكثر من 50 معرضًا وندوة محلية ودولية.